الضريبة أو الجباية حسب ما جاء في ويكيبيديا الموسوعة الحرة،هي مبلغ تتقاضاه الدولة ، من طرف الأشخاص و المؤسسات، لتغطية نفقاتها .بهدف تمويل كل القطاعات، التي تصرف عليها الدولة ، كالتعليم والصحة ، ورواتب الموظفين، والوزارات والادارات، ورواتب العمال، وصولا الى عمال النظافة الحكومية والسياسات الاقتصادية، كدعم سلع وقطاعات معينة ، أو الصرف على البنية التحتية، كبناء الطرق والسدود والمطارات والموانىء…أو التأمين على البطالة. في الأنظمة الديموقراطية يتم تحديد قيمة الضرائب، بقوانين يتم المصادقة عليها من ممثلي الشعب.وعادة ما تعهد وظيفة جمع الضرائب وتوزيعها،على القطاعات المختلفة، الى وزارة المالية بعد تحديد الميزانيات .وتنص الكثير من القوانين في عديد البلدان، على أن الجباية مبلغ مالي، تطلبه الدولة من الذين يتحقق فيهم شروط دفع الضريبة، وذلك بدون أن يترتب للدفع عن ذلك أية حقوق مباشرة.
في القديم كانت الضريبة تتكون من مبالغ مالية، وعطايا عينية، الا أنها اليوم تكاد تكون حصريا مالية .وتوجد هناك العديد من أنواع الضرائب، تختلف من دولة لأخرى. وقد يختلف المسمى لنفس الضريبة من دولة لأخرى،وفي المغرب مثلا ، تفرض ضرائب عديدة لكننا سنكتفي بذكر نوعين :الضريبة على القيمة المضافة وهي ضريبة غير مباشرة، يدفعها المستهلك، كلما قام بشراء سلعة أو خدمة معينة، وقد تصل قيمتها الى حدود 20في المئة . الضريبة على الدخل، وهي ضريبة مباشرة،يدفعها العمال والمأجورون، وتخصم من المنبع، وتدفعها الشركات والمقاولات على أرباحها، وتصل الى 30في المئة.
والمغرب من الدول الضريبية ، لأنه لا يتوفر على نفط ،حيث يعتمد على هاته المداخيل، لترشيد نفقاته، وجلب احتياجاته ، وتطبيق سياساته العمومية، بهدف تحقيق الاستقرار الاقتصادي، ومحاولة تحقيق معدلات مرتفعة للنمو،وبالتالي تطوير وتحسين الاقتصاد، والارتقاء بالمجالات الاجتماعية بشكل عام،وتحسين جودة الخدمات في الصحة والتعليم والادارة ،وتوفير البنيات التحتية اللازمة من طرقات وملاعب وفضاءات ومنتزهات…، والتخفيف من أزمة البطالة بخلق فرص للعمل …
والواقع أن خزينة المالية العمومية، تحرم من جمع أموال طائلة، بسبب التهرب الضريبي ،الشيء الذي يؤثر سلبا على الحصيلة المالية، ولا يحفزعلى تحقيق نسب مهمة على مستوى النموالاقتصادي، وبالتالي يعيق عملية التنمية، ويضرب في العمق مبدأ العدالة الضريبية وفلسفتها، التي تكمن بشكل مختصر، في توزيع الدخل الفردي، والتعاون وتحقيق العدالة الاجتماعية…، فالملزم يعتبر هذا التملص غير مخالف، ولايشكل خسارة لأحد ،وأن الضريبة اقتطاع بدون مقابل ، وتشكل عبئا ثقيلا على كاهله، وهي بمثابة عقوبة تدفع الى الادارة للممارسة أنشطتها، ولايرى أثرا للضرائب التي يدفعها للدولة، يعود عليه بالنفع ، وهي اعتقادات نفسية خاطئة، ترجع بالاساس ،الى غياب الثقة بين الملزم والادارة الضريبية.
ومن المعلوم أن الملزم، يتجنب تحمل الضريبة، أو الالتزام بها دون مخالفة أحكام التشريعات الضريبية،وذلك بالابتعاد عن مواطن التكليف ،أو الاستفادة من بعض الثغرات الموجودة في القانون، والتهرب يقوم به الملزم باستغلال بعض الهفوات، للتوصل الى عدم الالتزام بدفع الضريبة المترتبة عليه، وهاته الأمور يعرفها جيدا ،أهل الاختصاص والخبرة، الذين تمرسوا وتدربوا، على ايجاد الحيل والطرق،فهم يعرفون حق المعرفة من أين تؤكل الكتف ، مستندين، طبعا، الى مواطن الخلل في التشريع،ويمكن للملزم أيضا أن يمتنع من تقديم التصريح المطلوب منه ،أو تقديم تصريح مزيف، مدعوم بمستندات مزورة عن حقيقة أرباحه، فيخفي بعض أوجه نشاطاته، أو يزيد من قيمة تكاليف الدخل،القابلة للتنزيل الضريبي، أو يستعين ببعض القوانين على اخفاء أرباحه. أجدني أتساءل هل التهرب الضريبي أزمة وعي وثقافة أم أزمة فساد اداري؟ وكيف يمكن تصحيح هاته السلوكات الاحتيالية ؟
لجأ المغرب الى أسلوب الاعفاء الضريبي ، وهواعفاء من جميع أو بعض الضرائب ، كوسيلة لتعزيزو تشجيع بعض القطاعات الاقتصادية، كالفلاحة والسياحة والسكن والتعليم الخصوصي،والهدف، طبعا،من هذا الاجراء هو خلق المردودية و الفعالية والدينامية. لكننا نتساءل ألم يحن الوقت بعد لمساهمة الفلاحين الكبار والمنعشين العقاريين وأرباب المدارس الخصوصية في المالية العمومية بعد أن كدسوا و راكموا أموالا طائلة ؟ ووفق أي تقييم لازالت تعفى هاته الفئات المحظوظة ؟ وهل من زمن أفقي محدد؟ أليس من العبث أن تعفى بعض الشركات الكبرى التي تحقق أرباحا طائلة ؟ أليس من الحيف والظلم أن يدفع العامل والمأجورالضريبة على الدخل التي تخصم من المنبع( 38في المئة) ،زيادة على ضريبة الاستهلاك( 20في المئة)، وضريبة شراء السيارات،وضريبة قروض السكن الاجتماعي والاقتصادي،وضريبة القروض الاستهلاكية …؟ أليس هذا ضرب للعدالة الضريبية في الصميم؟ ولماذا لا يتم اقتطاع الضريبة على الدخل مهما كانت مصادره ؟ ولماذا لا يتم الانكباب على ايجاد حلول لمشاكل القطاع غير المهيكل ؟ هاته الظاهرة المنتشرة بقوة، في الشركات الصغرى والمتوسطة ،التي تعمل في الخفاء، بغية عدم تقديم تصريحات للادارة الجبائية ،وبالتالي التهرب من دفع الضرائب.
والحال أن المغرب يعيش مرحلة مفصلية صعبة، نظرا لحجم الانتظارات وتزايد الحاجيات،ومن الطبيعي أن يتم التفكير في هذا الملف الساخن، الذي يكتسي أهمية بالغة، ليس فقط على مستوى الجدل العمومي ،بل على مستوى تحريك عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية ، فدقة المرحلة وحساسيتها، تتطلب التعبئة ،ولعل المسؤولية مشتركة بين جميع الاطراف والمتدخلين ،فالحلول العملية والاجرائية في رأي العديدين، تبدأ أولا، بالاشتغال على بناء الثقة بين الملزمين( مواطنون، شركات،مقاولات) والادارة الضريبية.ثانيا، باجراء تعديلات وتغييرات لسد الثغرات القانونية ،على مستوى التشريعات.ثالثا، باعادة النظرعلى مستوى جبي الضرائب، وتوسيع الوعاء الضريبي ، ومراجعة أسعار الضرائب غير العادلة، لتخفيف العبء الضريبي.رابعا،بتبسيط المساطر الادارية، وتعويض النقص الحاصل على مستوى الموارد البشرية، لتحريك آليات الرقابة والافتحاص بشكل منتظم ،على أساس أن تتمتع هذه الاطر بالكفاءة والخبرة والحرفية والنزاهة.خامسا،بابتعاد الادارة عن أسلوب التعسف والسلطوية والتحيزوالبطء والروتين في الاجراءات.سادسا، باشراك جمعيات المجتمع المدني كو سيط ،ليس فقط بتقديم تصوراته ومقترحاته حول هذا الملف الحارق ، بل كفاعل أساسي يمارس دورالتنبيه و المراقبة والتتبع، لقضايا الملزمين ومشاكلهم مع الادارة الضريبية.
محمد أبوالمهدي : كاتب رأي